الخطر الإسرائيلي الشامل- من غزة إلى تحالف إقليمي ضروري.

المؤلف: كمال أوزتورك09.20.2025
الخطر الإسرائيلي الشامل- من غزة إلى تحالف إقليمي ضروري.

لا شك أن القراء الأعزاء الذين يتابعون هذا المنبر الإعلامي يتذكرون تحذيراتي المتكررة، منذ اللحظات الأولى لاندلاع الحرب المشؤومة على غزة، بأن نيران الاحتلال والاعتداء الإسرائيلي الغاشم لن تنحصر داخل حدود غزة المكلومة، بل ستمتد لتطال جميع دول المنطقة، مهددة استقرارها وأمنها بشكل جسيم.

وكما تنبأت، لم يكتفِ الكيان المحتل بتوسيع نطاق عدوانه ليشمل أجزاءً من لبنان وسوريا بعد غزة، بل تجاوز ذلك بشن غارات جوية وقصف مناطق في اليمن والعراق وإيران، في تصعيد خطير ينذر بعواقب وخيمة.

واليوم، يتطلع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى تنفيذ مخطط خبيث يهدف إلى تهجير الفلسطينيين قسرًا من غزة إلى مصر والأردن، ضاربًا عرض الحائط برفض الدولتين القاطع لهذا المخطط الإجرامي، مصرًا على تصريحاته الاستفزازية قائلًا بلهجة آمرة: "سوف يستقبلون الفلسطينيين، سيستقبلونهم"، وكأنه يفرض عليهم هذا الأمر فرضًا دون أي اعتبار لسيادتهم أو لإرادتهم. هذه العبارة ليست مجرد تصريح عابر، بل هي تهديد سافر ووعيد مبطن.

الحل الأمثل يكمن في الاتحاد والتكاتف، لا في التفاهمات الهشة

هل يعقل أن يتم تهجير ما يقارب المليوني فلسطيني قسرًا إلى الأردن ومصر، ثم يتم ضم قطاع غزة إلى إسرائيل في خطوة استعمارية سافرة؟ يجب أن ندرك جميعًا أن هذا المخطط الخبيث لا يستهدف غزة وحدها، بل يمتد ليشمل الفلسطينيين في الضفة الغربية أيضًا، بهدف تصفية القضية الفلسطينية برمتها.

إذا كانت حسابات مصر والأردن تتوهم بأنه بإمكانهما تفادي هذا المصير المشؤوم عبر الدخول في مفاوضات عقيمة مع الولايات المتحدة وإسرائيل، على أمل منع تدفق مليوني لاجئ فلسطيني إلى أراضيهما، فإن هذه الحسابات واهية ومغرقة في الخطأ. لقد سبق للبنان أن انخرط في مفاوضات مماثلة مع فرنسا والولايات المتحدة، ولم يمنع ذلك احتلال أراضيه وتدمير بنيته التحتية.

علينا أن نعي حقيقة دامغة: إسرائيل لا تتخلى أبدًا عن أهدافها التوسعية، بل تؤجل تنفيذها فحسب، وتعيد توزيعها على مراحل، مستغلة الظروف الإقليمية والدولية المواتية. إن مشروع "أرض الميعاد"، الذي يشكل جوهر الأيديولوجيا التوراتية المتطرفة، لم يعد مجرد حلم ديني يراود المتدينين المتشددين، بل تحول إلى هدف جيوسياسي استراتيجي تتبناه النخب الإنجيلية المتنفذة في الولايات المتحدة والصهاينة المتطرفون من اليهود.

وهذا يعني أن التوسع الإسرائيلي لم يعد مجرد طموح عابر أو رغبة دفينة، بل هو مشروع عسكري متكامل الأركان، يتم التخطيط له بدقة ورسم الاستراتيجيات طويلة الأمد في أروقة البنتاغون وتل أبيب والبيت الأبيض.

وبالتالي، فإن الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع إسرائيل والولايات المتحدة لن يحول دون وقوع الاحتلال والدمار، بل إن الحل الوحيد الناجع يكمن في بناء تحالفات إقليمية واسعة وقوية، قادرة على مواجهة التحديات الجسام. لا شيء يمكنه إيقاف التوسع الإسرائيلي/الأميركي سوى كيان إقليمي موحد يجمع القوى المتضررة من هذه السياسات العدوانية.

من الضحية التالية بعد مصر والأردن؟

تعي مصر والأردن تمام الوعي أنهما إن استقبلتا الفلسطينيين المهجرين قسرًا، فإنهما سترتكبان أكبر خطأ في تاريخهما. فالأمر لا يتعلق فقط بالأزمة الاقتصادية والاجتماعية الطاحنة التي ستنشأ داخليًا نتيجة هذا التدفق الهائل للاجئين، بل إن تفريغ الأرض الفلسطينية من سكانها الأصليين سيفتح الباب على مصراعيه أمام إسرائيل للتوسع والتوغل في المنطقة، وسيجعل هذين البلدين في موقف لا يُغتفر في نظر العالم الإسلامي قاطبةً.

إن استقبال هؤلاء اللاجئين سيخلق حالة من الفوضى والاضطراب الداخلي في كلا البلدين، وسيفاقم من أزماتهما السياسية والاقتصادية المتراكمة، وسينعكس سلبًا على علاقاتهما وتحالفاتهما الإقليمية والدولية. وفي نهاية المطاف، سينزلق البلدان نحو حالة من عدم الاستقرار والفوضى العارمة، وهو ما يصب في مصلحة إسرائيل والولايات المتحدة، اللتين ستجدان حينها مبررًا واهيًا للتدخل "لأسباب أمنية" وربما احتلال أجزاء من أراضيهما.

لكن هذا المخطط الشيطاني لن يتوقف عند هذا الحد. لاحقًا، ستتعرض دول النفط في الخليج العربي لضغوط هائلة لإجبارها على تزويد إسرائيل بالطاقة بأسعار تفضيلية، وإذا رفضت، فستواجه تهديدات مباشرة بتجميد أصولها المالية في البنوك الغربية، وفرض عقوبات اقتصادية قاسية عليها، ورفع الحماية العسكرية الأميركية عنها.

أما سوريا، فستتعرض لابتزاز سياسي سافر لإجبارها على التخلي عن هضبة الجولان المحتلة، وكذلك عن منطقة حرمون، الغنية بالموارد المائية، لصالح إسرائيل. وإن لم تستجب، فسيتم توسيع نطاق الاحتلال العسكري، وعرقلة أي اعتراف دولي بالحكومة السورية الجديدة، وفرض عقوبات اقتصادية خانقة عليها.

وفي لبنان، فإن أي نظام سياسي جديد سيجد نفسه أمام مخطط خبيث لانتزاع الجنوب اللبناني تحت ذرائع أمنية زائفة وإنشاء "مناطق آمنة" تحت السيطرة الإسرائيلية.

وفي شرق البحر المتوسط، ستتزايد الضغوط الهائلة لنشر قواعد عسكرية أميركية جديدة في قبرص، بحجة تعزيز أمن إسرائيل، وسيُمارس الضغط الشديد على تركيا لإعادة ترتيب علاقاتها مع إسرائيل، تحت التهديد بزعزعة استقرار اقتصادها المتنامي.

بعبارة أخرى، كما لم يتوقفوا عند غزة ولبنان، فلن يتوقفوا بالتأكيد عند مصر والأردن، فشهيتهم للتوسع لا تعرف حدودًا.

تأملوا المشهد جيدًا: ترامب يسعى جاهدًا لشراء جزيرة غرينلاند، ويحلم بجعل كندا ولاية أميركية تابعة، ويسيطر بقوة على قناة بنما الحيوية، ويتدخل سافرًا في السياسات الداخلية لألمانيا وبريطانيا. فهل من المنطقي أن نتوقع منه التوقف عند هذا الحد في منطقة الشرق الأوسط؟

لماذا لا يتم تشكيل تحالف شرق أوسطي قوي وموحد؟

على دول المنطقة أن تستوعب بعمق حجم التهديد الوجودي الذي يحدق بها من كل جانب. والخروج من هذا المأزق الخطير لا يكون إلا عبر تشكيل تحالفات قوية ومتينة في مجالات الأمن والدفاع والاقتصاد والتنمية المستدامة.

لقد سبق أن أشرتُ مرارًا وتكرارًا إلى "نظرية الدوائر المتداخلة" في مقالات سابقة، وهي رؤية يجب أن تُطرح بجدية على أجندة الدول المعنية. هناك اليوم حديث متزايد عن تحالف ثلاثي واعد يضم تركيا والعراق وسوريا تحت اسم "تحالف دجلة-الفرات"، ولكن لا بد من توسيعه ليشمل دولًا أخرى ذات مصالح مشتركة.

لماذا لا يتم إنشاء "تحالف شرق البحر المتوسط" قوي ومؤثر؟
لمَ لا تتحد دول مثل مصر، لبنان، الأردن، تركيا، سوريا، قبرص، تونس، ليبيا، المغرب، والجزائر في تحالف استراتيجي موحد؟

بل إن هذا التحالف الطموح يمكن أن يمتد ليشمل الدول الأوروبية التي تضررت علاقاتها مع الولايات المتحدة بسبب السياسات الأميركية الأحادية الجانب، مثل إسبانيا، إيطاليا، مالطا، اليونان، بل وحتى فرنسا.

إن دول الحضارة المتوسطية، التي تشترك في إرث ثقافي وتاريخي عريق، يمكنها أن توظف هذه القواسم المشتركة الفريدة لمواجهة الطموحات التوسعية للولايات المتحدة وإسرائيل، وحماية مصالحها المشتركة.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة